باراك يستبق إطاحته من حزبه «العمل» بالانفصال عنه وتشكيل كتلة نيابية جديدة

فجّر زعيم حزب «العمل» وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك صباح أمس قنبلة من العيار الثقيل في الساحة الحزبية بإعلانه الانفصال عن حزب «العمل» وتشكيل كتلة برلمانية جديدة تحمل اسم «استقلال (عتسمؤوت)» مع أربعة من نواب الحزب الممثل في الكنيست الحالي بـ 13 نائباً. ووصف مراقبون هذه الخطوة مسماراً قاتلاً في نعش الحزب الذي أعلن قيام الدولة العبرية قبل 63 عاماً، لكنها في المقابل تضمن لرئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ائتلافاً حكومياً أكثر استقراراً.

وأكدت تقارير صحافية متطابقة أن باراك نسّق خطواته مع نتانياهو الذي لا يخفي في الفترة الأخيرة استياءه من سلوك نواب حزب «العمل» الذين يهددونه صباح مساء بالانسحاب من الائتلاف الحكومي على خلفية الجمود الحاصل في العملية السلمية مع الفلسطينيين. وكان نتانياهو اتهم أول من أمس عدداً من وزراء الحزب بأنهم وراء عدم عودة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات.

وعلى رغم أن القاعدة البرلمانية للائتلاف الحكومي تقلصت من 74 نائباً إلى 66 (من مجموع 120)، إلا أن هذه الغالبية أفضل من غالبية من 61 نائباً فقط خشي نتانياهو وباراك أن تصبح حقيقة مع الاجتماع الذي كان متوقعاً لمركز حزب «العمل» بعد أسابيع لإقرار الانسحاب من الحكومة وربما إطاحة باراك. وفي خطوته، ضرب باراك أكثر من عصفور، الأول أنه ضمن البقاء على كرسيه الأثير في وزارة الدفاع حتى نهاية ولاية الحكومة الحالية على الأقل، والثاني أنه أدى إلى انهيار شبه نهائي لحزب «العمل» لينتقم من أعضائه الذين نغصّوا حياته في العامين الأخيرين، والثالث أنه يقدم لرئيس الحكومة حزباً جديداً من خمسة نواب موالين له بلا حدود ويمنحون ائتلافه الهدوء من دون مساءلته عن مصير العملية السياسية. في المقابل، تعهد نتانياهو لباراك بأن يبقى في منصبه وزيراً للدفاع حتى نهاية ولاية الحكومة، وسط توقعات بـ «مكافآت أخرى» للنواب الأربعة الذين لحقوا به تتمثل في منحهم مناصب لا في دفع أي ثمن سياسي.

اعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الاثنين ان التغير الذي طرأ على الائتلاف الحكومي اثر انسحاب وزير الدفاع ايهود باراك من حزب العمل سيقوي الحكومة وسيترك اثراً على اي محادثات مستقبلية مع الفلسطينيين.

وبعيد ساعات على اعلان باراك انسحابه من «العمل»، قال نتانياهو خلال اجتماع لنواب من كتلته «ليكود» بثه التفزيون الرسمي: «لقد تعززت قوة الحكومة الى حد كبير اليوم ... وازدادت قوة في ممارسة حكمها وفي استقرارها» وتابع ان «العالم كله يعرف والفلسطينيون ايضاً ان هذه الحكومة ستستمر للسنوات المقبلة، ومع هذه الحكومة يجب ان تجري المفاوضات». وأضاف: «نريد ان نجريها على اساس مصالحنا، مصالحنا القومية بالسلام الذي يجمعنا كلنا. سنقوم بذلك تحديداً وسنتصرف كحكومة مسؤولة تتولى الاهتمام بشؤون اسرائيل».

من جانبها، دعت زعيمة المعارضة الاسرائيلية تسيبي ليفني الى اجراء انتخابات مبكرة، وقالت خلال مؤتمر صحافي في الكنيست: «هذه الحكومة لم تعد تحظى بشرعية ولا تستمر سوى عبر مناورات سياسية دنيئة»، مضيفة «انه يوم حزين للسياسة الاسرائيلية». وتابعت: «في مواجهة الانتهازية السياسية، الحل الوحيد يكون في انتخابات، وحزب كاديما يكرر دعوته الى انتخابات مبكرة».

وكان باراك اعلن في مؤتمر صحافي في وقت سابق امس ان تشكيل الكتلة البرلمانية الجديدة يمهد لتشكيل «حزب وسَطي وصهيوني وديموقراطي»، وقال: «نريد تشكيل حركة تكون الدولة في رأس سلم أولوياتها ثم الحزب، ونحن في آخر السلم». وأضاف أن في انتظار إسرائيل «اختبارات صعبة سياسية وأمنية واجتماعية».

وقال نائب وزير الدفاع متان فلنائي الذي لحق بباراك إلى الحزب الجديد إن الوضع داخل حزب «العمل» لم يعد يُطاق، وانه لا بد من الانفصال وتشكيل حزب جديد «نكون فيه قادرين على دفع أفكارنا».

وكان مكتب نتانياهو أصدر تعليماته لكتل الائتلاف الحكومي بالتصديق في اللجنة البرلمانية الخاصة على انفصال النواب الخمسة وتشكيل الكتلة البرلمانية الجديدة، وهو ما حصل بعد أقل من ساعة من إعلان باراك في مؤتمر صحافي تركه «العمل» وتشكيل الحزب الجديد.

واستبق وزراء العمل الثلاثة الآخرون اسحق هرتسوغ وأفيشاي برافرمان وبنيامين بن اليعيزر إمكان قيام نتانياهو بإقالتهم، فاستقالوا واتهموا باراك بعقد «صفقة حزبية معيبة وظلامية». وقال هرتسوغ إن الوقت حان «لنتوقف عن خداع أنفسنا وننسحب من الحكومة التي أوصلتنا إلى طريق مسدود». وأضاف ان «هذا اليوم هو يوم تغيير ايجابي لحزب العمل. مغادرة باراك تتيح تجدد الحزب وعودته إلى مسار الإنتاج الاجتماعي والرؤية الصحيحة». وقال إنه عازم على البقاء في الحزب لقيادته «وسأضم إليه قوى جديدة ومتجددة وأجعل منها خياراً سياسياً حقيقياً».

وقال وزير شؤون الأقليات المستقيل أفيشاي برفرمان إن حزب «العمل ليس متعلقاً بهذا الشخص أو ذاك، والأزمة تتيح فرصة لإعادة بناء حزب قوي، وحزب العمل ينطلق في طريق جديدة».

وهاجم الأمين العام السابق للحزب النائب ايتان كابل وزير الدفاع ورفاقه الذين قرروا الانفصال وقال إن «إعلان هؤلاء الانفصال يؤكد أنهم قضوا على الحزب في شكل نهائي». ووصف خطوة باراك ورفاقه بالدراماتيكية «لكنني لم أفاجَأ بها إذ أقول منذ عامين أن حزب العمل أنهى طريقه».

ووصفت النائب شيلي يحيموفتش خطوة باراك بأنها «تنم عن فساد وانتهازية والهدف الرئيس منها الحفاظ على كرسيه في الحكومة. باراك جلب الكارثة على الحزب، وفككه. هذه الخطوة تؤكد الحاجة الى إعادة تشكيل حزب صهيوني اشتراكي وديموقراطي واجتماعي عقلاني».

واعترف خصوم باراك في حزب «العمل» بصدمة المفاجأة من خطوته الذي نسق تفاصيلها مع مكتب رئيس الحكومة ولم يرشح شيء عنها إلى وسائل الإعلام. وبحسب الأخيرة، فإن باراك تصرف كما كان يتصرف حين كان عسكرياً بارزاً «يقوم بعمليات عسكرية سرية خاطفة، يقصف المواقع بدقة وفي شكل مؤلم». وأضافت أن باراك عرف كيف يقرأ الخريطة حين استبق الضربة التي كان يخطط لها خصومه الوزراء والنواب لإطاحته عن زعامة الحزب، وبالتالي من منصبه الوزاري الذي يعشقه، «فوجّه لهم ضربة اعنف وتحرَّرَ من قيود حزبية لم يرغب بها يوماً، كما أنه لم يعد ملزماً انتهاج سياسة معتدلة كرئيس لمعسكر السلام في إسرائيل».