عرض لكتاب

يبدأ المؤلف كتابه "بالإهداء إلى المرأة التي حاصرت وحيدها بالحب والدفء والدعاء المبارك ".. إلى أمه...

يقع الكتاب 404 صفحات من القطع الكبير ويشتمل على تمهيد يشرح فيه فكرة "التآخي بين الشرعي والأدبي" فالشرعي يمثل الوحي المقدس وما تفرع منه من علوم ومعارف وتجارب، والأدبي هو الموروث الثقافي العربي المتمثل خاصة في الشعر الذي كان يشغل أغلب الساحة المتاحة، وحين أتى الوحي لم يكن مضموناً أخلاقياً أو تشريعياً فقط يوضح الحلال والحرام والأوامر والنواهي، بل إن كلام الله البليغ المعجز كان هو العقيدة والفكر والتصور الحضاري، فهو إذن قيم كبيرة وسخية في ذاتها والنموذج الذي يمثل التآخي بين الشرعي والأدبي في صدر الإسلام كان ابن عباس، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة، وترجمان القرآن. فقد كان رضي الله عنه أحد المهتمين بالشعر متابعة وحفظاً ورواية. أما عائشة رضي الله عنها فهي زوج النبي وحبيبته أخذت عنه العلم بالشرع والحديث والفقه والفتيا وأخذت عن والدها أبي بكر الصديق تراث العرب، ومنه الشعر على وجه الخصوص.

هاتان الشخصيتان قدمتا تجربة شاملة في مجال التآخي حيث جمعا بين الموروث التقليدي والجديد المقدس، وهنا كان تدخل الإسلام في تكوين سلوكيات الناس وتصرفاتهم وهو تدخل في بناء فكرهم الجديد وتصورهم للحياة والمستقبل وعمارة الأرض.

وبعد التمهيد تأتي فصول الكتاب الثلاثة:

الفصل الأول: "التآخي في حالة ابن عباس"

وفي هذا الفصل قراءة لأخبار ابن عباس الذي جمع بين الثقافتين القديمة الموروثة والجديدة المقدسة، ومشروعه الذي يتضمن منهجه في التفسير حيث يلتقي القرآن الكريم بالشعر وهو أول مشروع علمي منهجي أنتج ثقافة عربية متدفقة ذات ملامح خاصة تميزها عن كل ما سواها. فنموذجية ابن عباس تتمثل في السيطرة على قطبي الثقافة العربية "الأدبي والشرعي" والتذوق الإبداعي والتفاعل المنتج، مما شكل بنيته الثقافية لما زاوج بين القديم الموروث والجديد المقدس. وقد أنتج ذلك التزاوج ثقافة التأويل الجديدة عند ابن عباس وهي الحركة العلمية التي جعلت من الوحي محوراً أساسياً لها، ومن رجال مدرسة ابن عباس: سعيد بن جبير ومجاهد وطاوس وعطاء بن رباح وغيرهم.

إن جمع ابن عباس بين الثقافتين الجديدة المقدسة والقديمة التقليدية إضافة إلى الموهبة والاستعداد الذاتي أفاد منها رضي الله عنه في تنمية قدراته على التأويل.

إن لقاء القرآن والشعر عند ابن عباس هو لقاء الوحي المعجز مع أفضل ما في اللغة من نماذج الفصاحة والبلاغة (الشعر) ويورد المؤلف قصة ابن عباس ونافع بن الأزرق حين وجه نافع كثيراً من الأسئلة لابن عباس وأجاب عنها ابن عباس مروراً على نحو 250 موضعاً من القرآن الكريم شارحاً الآيات بلجوئه إلى الشعر.

لقد كان لابن عباس الفضل الأول في شق الطريق أمام اللغويين في مقام الاستفادة من "الأدبي" الشعر في بناء منهج تطوير مهاراتهم حين حاولوا التعرف على ألوان الغريب في ألفاظ القرآن الكريم. وقد كانت تلك الألفاظ إما عربية أصيلة أو فارسية أو حبشية أو رومية أو غيرها من لغات البلاد المجاورة لجزيرة العرب التي أثرت في اللسان العربي بحكم التجاور والتلاصق. إن فكرة التآخي بين الأدبي والشرعي لم تقتصر أهميتها على التفسير فقط ولم تتوقف عند مرحلة ابن عباس بل أخذت تسري في شرايين الثقافة العربية حتى العصور المتأخرة وهذا الأمر نفسه هو الذي أكسب تلك الثقافة قوتها وثباتها وهو الذي منحها مذاقها الفريد وهويتها المتميزة.

وابن عباس لا يقتصر فضله على هذه التجربة فقط وهي لقاء القرآن بالشعر وبلورة المشترك المباح بينهما ولكن ينسب له كذلك الفضل في أنه مهّد السبيل أمام العلماء والباحثين ليقطفوا ثمار التآخي بين الأدبي والشرعي ليس في مجال اللغة فقط ولكن أيضاً في مجال البلاغة والنقد والنحو والصرف وغير ذلك من علوم اللغة.

لقد تحولت فكرة التآخي عند ابن عباس إلى محرك حقيقي وأصيل لكثير من التطورات التي شهدتها الثقافة العربية في معارفها المختلفة.

الفصل الثاني: يتحدث الفصل الثاني من الكتاب عن علاقة ابن عباس بالشعر في الجانب الذي يقع خارج إطار منهجه في التفسير، فهو يتناول ابن عباس من حيث ولعه بهذا الفن إذ هو تعبير وصوت ووجدان، وهو كذلك مصدر معلومة فيما يتعلق بالتاريخ ووقائع الأيام.

ولكن ذلك لم يمنع ابن عباس من التحفظ على بعض الأغراض الشعرية كالهجاء الذي رفضه بل عاقب عليه بعض الشعراء بالسجن والنفي أحياناً أخرى.

لقد تميز ابن عباس عن غيره من علماء عصره بعدة أمور منها، أولاً: ريادته في موضوع اللجوء إلى الشعر في تفسير القرآن الكريم حدّث سعيد بن جبير ويوسف بن مهران "إن ابن عباس كان يسأل عن القرآن فيقول هو كذا وكذا أما سمعتم قول الشاعر يقول كذا وكذا. ثانياً: اهتمامه بالشعر سماعاً وحفظاً ورواية ومتابعة وتقويماً. فقد كانت هناك علاقة ووشائج بين ابن عباس والشعر.

ولقد كان الشعر ديوان العرب وكان ابن عباس يعطي الشعر العربي المنزلة التي تليق به حيث كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم سواه.

قال الشعبي سألت ابن عباس أي الناس كان أول إسلاماً. قال أبو بكر الصديق أما سمعت قول حسان:

إذا تذكرت شجواً من أخي ثقةٍ ::: فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خيـر البريـة أتقاها وأعدلها ::: إلا النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهده ::: وأول الناس منهم صدق الرسلا

وكان ابن عباس ينشئ الشعر ويتمثل به، ويسعى إلى تعلمه، ويحفظه ويرويه.

ولقد كان لابن عباس علاقة بثلاثة شعراء من مشارب مختلفة فهذا عمر بن أبي ربيعة شاعر الغزل، وهذا الحطيئة شاعر الهجاء، وهذا حسان بن ثابت شاعر الحماسة والدفاع عن الإسلام. وكانت علاقته بهؤلاء الشعراء علاقة تدخل ومحاورة ومثاقفة، فهو يتابع إبداع الشعراء.

أما فيما يتعلق بشعر البهتان (الهجاء) فلم يكن يقر شعر الحطيئة مع صلته به، وكان يدافع عن حسان بن ثابت. وعموماً فلم تنشأ علاقة ابن عباس بالشعر استجابة لأغراض علمية فحسب ولكنها كانت علاقة ولع بهذا الفن لذاته.

الفصل الثالث: : يتحدث الفصل الثامن من الكتاب عن السيدة عائشة رضي الله عنها في علاقتها بالشعر. فالسيدة عائشة مع صلتها المتميزة ببيت النبوة ومكانتها الكبرى في الحديث والفقه والفتيا والتعليم والوعظ والسياسة والأمور العامة.. مع كل ذلك كانت متذوقة للشعر، مهتمة به. فصلتها بالتراث العربي نشأت قبل أن تأتي إلى بيت النبوة، فقد كان والدها أبو بكر على نصيب معتبر من المعارف ذات القيمة في عصره كأيام العرب وأنسابها وأشعارها. ولما انتقلت إلى بيت النبوة ظلت تنهل مما فيه وكانت توجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم الأسئلة عن كل ما يمر بها من موضوعات في الفقه والقرآن والأخبار والعبادات وغير ذلك في شتى الأمور.

لقد استمدت من والدها الشعر والأنساب ومن النبي صلى الله عليه وسلم كل ما يتعلق بالدين الجديد.

يقول معاوية بن أبي سفيان، وهو من فصحاء العرب، بعد أن التقى السيدة عائشة رضي الله عنها: "والله ما سمعت قط أبلغ من عائشة غير رسول الله" وقال عطاء: "كانت عائشة أفقه الناس وأحسنهم رأياً في العامة" وقد أحاطت رضي الله عنها بالجانبين الشرعي والأدبي في عصرها وكان لها موقفها في الحياة والإبداع والشعر والفصاحة مما سهل لها المزاوجة بين الثقافتين الشرعية والأدبية. أما موقع الشعر منها فقد كانت السيدة عائشة بنت زمانها بمختلف ظروفه وأحواله، يؤكد ذلك نصوص كثيرة وردت في أخبار السيدة عائشة، وقد كان لموقع حجرتها الملاصقة للمسجد صلة بسماع ما تقوله وفود العرب الذين يلتقون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيهم الشعراء والخطباء الذين يتناظرون مع شعراء الرسالة وخطبائها في حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام. وتفيد بعض الروايات أن أم المؤمنين عائشة كانت على صلات ببعض الشعراء مثل الخنساء وحسان بن ثابت وكانت تروي الشعر وتهتم به فهو رمز البلاغة وسر الإحساس بها.

قال المقداد بن الأسود "ما كنت أعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بشعر ولا فريضة من عائشة رضي الله عنها"

وقالت رضي الله عنها عن الشعر "الشعر منه حسن ومنه قبيح خذ بالحسن ودع القبيح" وكان لها حوار بالشعر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أتمثل بقول الشاعر:

وقد رأيت الموت قبل ذوقه ::: إن الجبان حتفه من فوقه
كالثور يحمى جلده بروقه

كما أن لها حواراً بالشعر مع أبيها الخليفة أبي بكر حين مرضه، حين قالت:

وأبيض يستقي الغمام بوجهه ::: ربيع اليتامى عصمة للأرامل

قالت عائشة فنظر إليَّ وقال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أغمي عليه فقلت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ::: إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

أما الشعر في السياسة والأمور العامة فقد كانت السيدة عائشة تقيم الدنيا وتقعدها كشأن كل العظماء، وكانت تقول في ذلك:

لو أن قومي طاوعتني سراتهم ::: لأنقذتهم من الجبال أو الخبل

وكانت تتمثل بالشعر في كثير من المواقف. أما مفتاح علاقتها بالشعر فكان في واقع الأمر علاقة سهلة وواضحة وكان يحكمها ما يحكم العلاقة مع المتذوقين جميعاً. فالمباح والحكمة لا بأس به، أما ما فيه فحش وخنى فمرفوض. وعموماًُ فالسيدة عائشة رضي الله عنها محسوبة على الشرعي أكثر مما هي محسوبة على الأدبي، بل إن العصر نفسه قد شهد ملامح مواجهة ما تحكم بعض علاقة الوحي بالشعر رغم مظاهر القربى المباحة بين الاثنين. بل إن الشعراء قد عانوا من مآخذ أخلاقية خصوصاً لاتباع الهوى، انعكست عليهم وعلى فنهم على وجه العموم، وهذا مما أسهم في إضعاف الحماس لهذا الجانب لدى السيدة عائشة كما هو الحال لدى كثير ممن هم مثلها

إن نزول القرآن الكريم هو الذي جعل لغة العرب لغة "متدينة" ويمكن أن يقال مثل ذلك عن الثقافة العربية عموماً فهي ثقافة قرآنية ولا يمكن أن تكون غير ذلك.

حيث تسيد الجديد المقدس واشتغل العرب به، مما أثرى الثقافة العربية، ومد لها جذوراً راسخة في الأعماق وستظل راسخة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

مشكـــــــــــــــــــــــــــــ اخي كتير على موضوعك الرائع ـــــــــــــــــــــــــور***عاشقة المستحيل

"التسامح هو أن تري نور الله في كل من حولك مهما يكن سلوكهم معك"

معلومات قيمة مشكور وبارك الله فيك وموفق باذن الله