التعاطف ممنوع بقلم // د. أسامه الفرا

"ما يريد ماغوير" الحائزة على جائزة نوبل للسلام اعتقلتها القوات الصهيونية فور نزولها من الطائرة في مطار تل أبيب، لم تكن تحمل في حقيبتها شيئاً من الأدوات التي تمس بقوة الكيان الصهيوني المقدسة "الأمن"، وخضعت كما يخضع الجميع لإجراءات "أمنية" قبل أن تعتلي سلم الطائرة في عاصمة الضباب، فقط جاءت بنية لقاء دعاة السلام في ما تسمى إسرائيل ومن ثم الانتقال لأراضي السلطة الفلسطينية، ورغم أنها لجأت لمحكمة العدل العليا في محاولة منها لثني حكومة الاحتلال عن قرار إبعادها، إلا أن المحكمة لم تمكنها من ذلك، وتم ترحيلها على أول رحلة مغادرة إلى العاصمة البريطانية "لندن"، سبق للسيدة ماغوير أن جاءت عبر سفينة "ريتشيل كوري" التي تقل مساعدات لقطاع غزة في محاولة لها أبعادها الرمزية لكسر الحصار عن غزة، ويومها أبعدتها القوات الصهيونية مع ركاب السفينة.

كان يمكن للسيدة ماغوير أن تكتفي بتضامنا الأول مع الشعب الفلسطيني، بل المؤكد أن لا أحد "يعتب" عليها إن لم تفعل ذلك البتة، وإن أرادت أن تدلي بدلوها في الصراع الفلسطيني الصهيوني لاكتفت بمقالة تدعو فيها طرفي الصراع للجلوس إلى طاولة المفاوضات، بل كان يمكن لها أن تنأى بنفسها عن كل ذلك وتفعل كما يفعل الكثير من الحائزين على جوائز نوبل بالتنقل بين الجامعات العريقة لإلقاء محاضرات لجني الكثير من المال، لكن الدم الايرلندي حرك فيها نزعة الإنسان الفطرية بالتضامن مع المظلوم في وجه الظالم، وهي تدرك بأن تعاطفها مع الشعب الفلسطيني يجلب عليها غضب اللوبي الصهيوني المتنفذ في معظم دول العالم، وأن ماكنته الإعلامية يمكن لها أن تنسج حولها حكايات تحولها من داعية سلام إلى شيطان رجيم.

المؤكد أن السيدة ماغوير عادت إلى ايرلندا الشمالية ومعها المزيد من التعاطف مع الشعب الفلسطيني، وستقف عند جدران شوارعها المزينة بلوحات تحكي نضال شعبنا لتضيف عليها عبارة "ممنوع التعاطف" بقرار من الحكومة الإسرائيلية، لم تكن ماغوير الأولى من الحائزين على جائزة نوبل التي تعبر عن صدمتها من الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، بل سبقها إلى ذلك العديد، رغم القصور البين منا ومن العرب تجاه المتعاطفين معنا والمناصرين لنا وللحقوق العربية، أليس في إبعاد ماغوير من قبل الحكومة الصهيونية، وعدم السماح لها بالتعبير عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، ما يكفي لأن توجه لها الدعوات من الدول العربية على المستوى الرسمي والأهلي، من باب الشكر والتقدير لمواقفها ليس إلا؟، ترى لو جاءت مناصرة لحكومة الاحتلال ألن تغدق عليها مراسيم الترحيب وكلمات الثناء أينما ذهبت وحلت في أرجاء المعمورة؟.

الممثلة العالمية فانيسيا ريد غريف التي لم تخف تضامنها مع الشعب الفلسطيني، يوم قدمت لمدينة لوس أنجلوس لحضور مهرجان الأوسكار عام 1978، حاولت المنظمات اليهودية منعها من المشاركة، وحين فازت بالجائزة وقفت لتهدي فوزها لكل المدافعين عن حقوق الإنسان وخصت الشعب الفلسطيني، حينها ارتفعت أصوات اليهود لتنعتها بأقبح الصفات، وبعدها لم تجد فانيسيا مسرحاً في مدينة نيويورك يسمح لها بتقديم مسرحيتها، فيما اكتفى العرب بدور المتفرج وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد، أليس من العيب أن نشيح بوجوهنا عمن جاؤوا للتضامن معنا ومناصرتنا؟.